الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب تَسْجِيَةِ الْمَيِّتِ: .باب فِي تَحْسِينِ كَفَنِ الْمَيِّتِ: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ» هُوَ بِفَتْحِ اللَّام. وَأَمَّا النَّهْي عَنْ الْقَبْر لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقِيلَ: سَبَبه أَنَّ الدَّفْن نَهَارًا يَحْضُرهُ كَثِيرُونَ مِنْ النَّاس وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْضُرهُ فِي اللَّيْل إِلَّا أَفْرَاد. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ لِرَدَاءَةِ الْكَفَن فَلَا يَبِين فِي اللَّيْل، وَيُؤَيِّدهُ أَوَّل الْحَدِيث وَآخِره، قَالَ الْقَاضِي: الْعِلَّتَانِ صَحِيحَتَانِ، قَالَ: وَالظَّاهِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَهُمَا مَعًا، قَالَ: وَقَدْ قِيلَ هَذَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا أَنْ يَضْطَرّ إِنْسَان إِلَى ذَلِكَ» دَلِيل أَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ فِي وَقْت الضَّرُورَة. وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الدَّفْن فِي اللَّيْل فَكَرِهَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُسْتَدَلّ لَهُ بِهِ وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف: لَا يُكْرَه، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف دُفِنُوا لَيْلًا مِنْ غَيْر إِنْكَار، وَبِحَدِيثِ الْمَرْأَة السَّوْدَاء، وَالرَّجُل الَّذِي كَانَ يَقُمّ الْمَسْجِد، فَتُوُفِّيَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، وَسَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا: تُوُفِّيَ لَيْلًا فَدَفَنَّاهُ فِي اللَّيْل، فَقَالَ: «أَلَا آذَنْتُمُونِي؟» قَالُوا: كَانَتْ ظُلْمَة، وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهِمْ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ النَّهْي كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاة، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُجَرَّد الدَّفْن بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا نَهَى لِتَرْكِ الصَّلَاة أَوْ لِقِلَّةِ الْمُصَلِّينَ أَوْ عَنْ إِسَاءَة الْكَفَن أَوْ عَنْ الْمَجْمُوع كَمَا سَبَقَ. وَأَمَّا الدَّفْن فِي الْأَوْقَات الْمَنْهِيّ عَنْ الصَّلَاة فيها وَالصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فيها. فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيها، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: لَا يُكْرَهَانِ إِلَّا أَنْ يَتَعَمَّد التَّأْخِير إِلَى ذَلِكَ الْوَقْت لِغَيْرِ سَبَب، بِهِ قَالَ اِبْن عَبْد الْحَكَم الْمَالِكِيّ، وَقَالَ مَالِك: لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا بَعْد الْإِسْفَار وَالِاصْفِرَار حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس أَوْ تَغِيب إِلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: عِنْد الطُّلُوع وَالْغُرُوب وَنِصْف النَّهَار. وَكَرِهَ اللَّيْث الصَّلَاة عَلَيْهَا فِي جَمِيع أَوْقَات النَّهْي. وَفِي الْحَدِيث: الْأَمْر بِإِحْسَانِ الْكَفَن. قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَ الْمُرَاد بِإِحْسَانِهِ السَّرَف فيه وَالْمُغَالَاة وَنَفَاسَته، وَإِنَّمَا الْمُرَاد: نَظَافَته وَنَقَاؤُهُ وَكَثَافَته وَسَتْره وَتَوَسُّطه، وَكَوْنه مِنْ جِنْس لِبَاسه فِي الْحَيَاة غَالِبًا، لَا أَفْخَر مِنْهُ وَلَا أَحْقَر. وَقَوْله: «فَلْيُحْسِنْ كَفَنه» ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ، فَتْح الْحَاء وَإِسْكَانهَا، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. قَالَ الْقَاضِي: وَالْفَتْح أَصْوَب وَأَظْهَر وَأَقْرَب إِلَى لَفْظ الْحَدِيث. .باب الإِسْرَاعِ بِالْجَنَازَةِ: قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: يُسْتَحَبّ الْإِسْرَاع بِالْمَشْيِ بِهَا مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدٍّ يَخَاف اِنْفِجَارهَا وَنَحْوه، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخَاف مِنْ شِدَّته اِنْفِجَارهَا أَوْ نَحْوه. وَحَمْل الْجِنَازَة فَرْض كِفَايَة قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا يَجُوز حَمْلهَا عَلَى الْهَيْئَة الْمُزْرِيَة وَلَا هَيْئَة يُخَاف مَعَهَا سُقُوطهَا. قَالُوا: وَلَا يَحْمِلهَا إِلَّا الرِّجَال وَإِنْ كَانَتْ الْمَيِّتَة اِمْرَأَة؛ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى لِذَلِكَ وَالنِّسَاء ضَعِيفَات، وَرُبَّمَا اِنْكَشَفَ مِنْ الْحَامِل بَعْض بَدَنه. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اِسْتِحْبَاب الْإِسْرَاع بِالْمَشْيِ بِهَا وَأَنَّهُ مُرَاد الْحَدِيث هُوَ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء. وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ الْمُرَاد الْإِسْرَاع بِتَجْهِيزِهَا إِذَا اِسْتَحَقَّ مَوْتهَا، وَهَذَا قَوْل بَاطِل مَرْدُود بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابكُمْ». وَجَاءَ عَنْ بَعْض السَّلَف كَرَاهَة الْإِسْرَاع، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْإِسْرَاع الْمُفْرِط الَّذِي يَخَاف مَعَهُ اِنْفِجَارهَا أَوْ خُرُوج شَيْء مِنْهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابكُمْ» مَعْنَاهُ أَنَّهَا بَعِيدَة مِنْ الرَّحْمَة فَلَا مَصْلَحَة لَكُمْ فِي مُصَاحَبَتهَا. وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَرْك صُحْبَة أَهْل الْبَطَالَة غَيْر الصَّالِحِينَ. .باب فَضْلِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَن فَلَهُ قِيرَاطَانِ» مَعْنَاهُ بِالْأَوَّلِ، فَيَحْصُل بِالصَّلَاةِ قِيرَاط، وَبِالِاتِّبَاعِ مَعَ حُضُور الدَّفْن قِيرَاط آخَر، فَيَكُون الْجَمِيع قِيرَاطَيْنِ، تُبَيِّنهُ رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي أَوَّل صَحِيحه فِي كِتَاب الْإِيمَان: «مَنْ شَهِدَ جِنَازَة وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغ مِنْ دَفْنهَا رَجَعَ مِنْ الْأَجْر بِقِيرَاطَيْنِ» فَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّ الْمَجْمُوع بِالصَّلَاةِ وَالِاتِّبَاع وَحُضُور الدَّفْن قِيرَاطَانِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَنَظَائِرهَا وَالدَّلَائِل عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي حَدِيث: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاء فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْف اللَّيْل، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْر فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْل كُلّه». وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ هَذِهِ مَعَ رِوَايَة مُسْلِم الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْد هَذَا مِنْ حَدِيث عَبْد الْأَعْلَى: «حَتَّى يَفْرُغ مِنْهَا» دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقِيرَاط الثَّانِي لَا يَحْصُل إِلَّا لِمَنْ دَامَ مَعَهَا مِنْ حِين صَلَّى إِلَى أَنْ فَرَغَ وَقْتهَا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يَحْصُل الْقِيرَاط الثَّانِي إِذَا سُتِرَ الْمَيِّت فِي الْقَبْر بِاللَّبِنِ وَإِنْ لَمْ يُلْقَ عَلَيْهِ التُّرَاب، وَالصَّوَاب الْأَوَّل. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِلَفْظِ الِاتِّبَاع فِي هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره مَنْ يَقُول: الْمَشْي وَرَاء الْجِنَازَة أَفْضَل مِنْ أَمَامهَا، وَهُوَ قَوْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، وَمَذْهَب الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَة، وَقَالَ جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: الْمَشْي قُدَّامهَا أَفْضَل، وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَطَائِفَة: هُمَا سَوَاء. قَالَ الْقَاضِي: وَفِي إِطْلَاق هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاج الْمُنْصَرِف عَنْ اِتِّبَاع الْجِنَازَة بَعْد دَفْنهَا إِلَى اِسْتِئْذَان، وَهُوَ مَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ، وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ مَالِك، وَحَكَى اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَنْصَرِف إِلَّا بِإِذْنٍ، وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة. قَوْله: (وَفِي حَدِيث عَبْد الْأَعْلَى: «حَتَّى يَفْرُغ مِنْهَا») ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الرَّاء، وَعَكْسه، وَالْأَوَّل أَحْسَن وَأَعَمُّ. وَفيه دَلِيل لِمَنْ يَقُول: الْقِيرَاط الثَّانِي لَا يَحْصُل إِلَّا بِفَرَاغِ الدَّفْن كَمَا سَبَقَ بَيَانه. وَقَوْله فِي حَدِيث عَبْد الرَّزَّاق: «حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد» وَفِي رِوَايَة بَعْده: «حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر» فيه دَلِيل لِمَنْ يَقُول: يَحْصُل الْقِيرَاط الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْوَضْع فِي اللَّحْد وَإِنْ لَمْ يُلْقَ عَلَيْهِ التُّرَاب، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَحْصُل إِلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ إِهَالَة التُّرَاب؛ لِظَاهِرِ الرِّوَايَات الْأُخْرَى حَتَّى يَفْرُغ مِنْهَا، تُتَأَوَّل هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى أَنَّ الْمُرَاد: يُوضَع فِي اللَّحْد وَيُفْرَغ مِنْهَا، وَيَكُون الْمُرَاد الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِع قَبْل وُصُولهَا الْقَبْر. قَوْله: «قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ: مِثْل الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» الْقِيرَاط: مِقْدَار مِنْ الثَّوَاب مَعْلُوم عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى عِظَم مِقْدَاره فِي هَذَا الْمَوْضِع، وَلَا يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنْ يَكُون هَذَا هُوَ الْقِيرَاط الْمَذْكُور فِيمَنْ اِقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْب صَيْد أَوْ زَرْع أَوْ مَاشِيَة نَقَصَ مِنْ أَجْره كُلّ يَوْم قِيرَاط، وَفِي رِوَايَات: «قِيرَاطَانِ»، بَلْ ذَلِكَ قَدْر مَعْلُوم، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِثْل هَذَا وَأَقَلّ وَأَكْثَر. قَوْله: (عَنْ اِبْن عُمَر لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيط كَثِيرَة) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ، وَفِي كَثِير مِنْ الْأُصُول أَوْ أَكْثَرهَا (ضَيَّعْنَا فِي قَرَارِيط) بِزِيَادَةِ (فِي) وَالْأَوَّل هُوَ الظَّاهِر، وَالثَّانِي صَحِيح عَلَى أَنْ ضَيَّعْنَا بِمَعْنَى فَرَّطْنَا كَمَا فِي الرِّوَاية الأُخْرَى. وَفيه مَا كَانَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ مِنْ الرَّغْبَة فِي الطَّاعَات حِين يَبْلُغهُمْ، وَالتَّأَسُّف عَلَى مَا يَفُوتهُمْ مِنْهَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ عِظَم مَوْقِعه. 1573- قَوْله: (فَقَالَ اِبْن عُمَر: أَكْثَر عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَة) مَعْنَاهُ: أَنَّهُ خَافَ لِكَثْرَةِ رِوَايَاته أَنَّهُ اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيث بِحَدِيثٍ لَا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى رِوَايَة مَا لَمْ يَسْمَع، لِأَنَّ مَرْتَبَة اِبْن عُمَر وَأَبِي هُرَيْرَة أَجَلُّ مِنْ هَذَا. 1574- قَوْله: (عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط) هُوَ بِضَمِّ الْقَاف وَفَتْح السِّين الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْيَاء. قَوْله: (وَأَخَذَ اِبْن عُمَر قَبْضَة مِنْ حَصْبَاء الْمَسْجِد يُقَلِّبهَا فِي يَده) وَقَالَ فِي آخِره: (فَضَرَبَ اِبْن عُمَر بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَده الْأَرْض) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ الْأَوَّل (حَصْبَاء) بِالْبَاءِ، وَالثَّانِي (بِالْحَصَى) مَقْصُور جَمْع حَصَاة، وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول، وَفِي بَعْضهَا عَكْسه، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْحَصْبَاء هُوَ الْحَصَى. وَفيه: أَنَّهُ لَا بَأْس بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْل، وَإِنَّمَا بَعَثَ اِبْن عُمَر إِلَى عَائِشَة يَسْأَلهَا بَعْد إِخْبَار أَبِي هُرَيْرَة؛ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة النِّسْيَان وَالِاشْتِبَاه كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانه، فَلَمَّا وَافَقَتْهُ عَائِشَة عَلِمَ أَنَّهُ حَفِظَ وَأَتْقَنَ. .باب مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِائَةٌ شُفِّعُوا فيه: قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ هَذِهِ الْأَحَادِيث خَرَجَتْ أَجْوِبَة لِسَائِلِينَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عَنْ سُؤَاله. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِقَبُولِ شَفَاعَة مِائَة فَأَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ بِقَبُولِ شَفَاعَة أَرْبَعِينَ، ثُمَّ ثَلَاثَة صُفُوف وَإِنْ قَلَّ عَدَدهمْ، فَأَخْبَرَ بِهِ، وَيَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يُقَال: هَذَا مَفْهُوم عَدَد، وَلَا يَحْتَجّ بِهِ جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يَلْزَم مِنْ الْإِخْبَار عَنْ قَبُول شَفَاعَة مِائَة مَنْع قَبُول مَا دُون ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِينَ مَعَ ثَلَاثَة صُفُوف، وَحِينَئِذٍ كُلّ الْأَحَادِيث مَعْمُول بِهَا وَيَحْصُل الشَّفَاعَة بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَة صُفُوف وَأَرْبَعِينَ. قَوْله: (فَحَدَّثْت بِهِ شُعَيْب بْن الْحَبْحَاب فَقَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْقَائِل: فَحَدَّثْت بِهِ هُوَ: سَلَّام بْن أَبِي مُطِيع الرَّاوِي أَوَّلًا عَنْ أَيُّوب، هَكَذَا بَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَته. وَهَذَا الْحَدِيث: «مَا مِنْ مَيِّت تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَة» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَة، فَأَشَارَ إِلَى تَعْلِيله بِذَلِكَ وَلَيْسَ مُعَلَّلًا؛ لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ ثِقَة، وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَان هَذِهِ الْقَاعِدَة فِي الْفُصُول فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب ثُمَّ فِي مَوَاضِع. .باب فِيمَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ مِنَ الْمَوْتَى: وَقَوْله فِي أَوَّله: «فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول (خَيْرًا وَشَرًّا) بِالنَّصْبِ وَهُوَ مَنْصُوب بِإِسْقَاطِ الْجَار أَيْ فَأُثْنِيَ بِخَيْرٍ وَبِشَرٍّ، وَفِي بَعْضهَا مَرْفُوع. وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَوْكِيد الْكَلَام الْمُهْتَمّ بِتَكْرَارِهِ لِيُحْفَظ، وَلِيَكُونَ أَبْلَغَ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَفيه قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ: أَحَدهمَا: أَنَّ هَذَا الثَّنَاء بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْل الْفَضْل فَكَانَ ثَنَاؤُهُمْ مُطَابِقًا لِأَفْعَالِهِ فَيَكُون مِنْ أَهْل الْجَنَّة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ مُرَادًا بِالْحَدِيثِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار أَنَّهُ عَلَى عُمُومه وَإِطْلَاقه وَأَنَّ كُلّ مُسْلِم مَاتَ فَأَلْهَمَ اللَّه تَعَالَى النَّاس أَوْ مُعْظَمهمْ الثَّنَاء عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، سَوَاء كَانَتْ أَفْعَاله تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَاله تَقْتَضِيه فَلَا تُحَتَّمُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَة، بَلْ هُوَ فِي خَطَر الْمَشِيئَة، فَإِذَا أَلْهَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النَّاس الثَّنَاء عَلَيْهِ اِسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى قَدْ شَاءَ الْمَغْفِرَة لَهُ، وَبِهَذَا تَظْهَر فَائِدَة الثَّنَاء. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ وَأَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه» وَلَوْ كَانَ لَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُون أَعْمَاله تَقْتَضِيه لَمْ يَكُنْ لِلثَّنَاءِ فَائِدَة، وَقَدْ أَثْبَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَائِدَة. فَإِنْ قِيلَ: كَيْف مُكِّنُوا بِالثَّنَاءِ بِالشَّرِّ مَعَ الْحَدِيث الصَّحِيح فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْره فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ الْأَمْوَات؟ فَالْجَوَاب: أَنَّ النَّهْي عَنْ سَبِّ الْأَمْوَات هُوَ فِي غَيْر الْمُنَافِق وَسَائِر الْكُفَّار، وَفِي غَيْر الْمُتَظَاهِر بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَة، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُم ذِكْرهمْ بِشَرٍّ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ طَرِيقَتهمْ، وَمِنْ الِاقْتِدَاء بِآثَارِهِمْ وَالتَّخَلُّق بِأَخْلَاقِهِمْ، وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّ الَّذِي أَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا كَانَ مَشْهُورًا بِنِفَاقٍ أَوْ نَحْوه مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي الْجَوَاب عَنْهُ، وَفِي الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن النَّهْي عَنْ السَّبّ، وَقَدْ بَسَطْت مَعْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَاب الْأَذْكَار. قَوْله: «فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا» قَالَ أَهْل اللُّغَة (الثَّنَاء) بِتَقْدِيمِ الثَّاء وَبِالْمَدِّ يُسْتَعْمَل فِي الْخَيْر وَلَا يُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَفيه لُغَة شَاذَّة أَنَّهُ يُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ أَيْضًا، وَأَمَّا النَّثَا بِتَقْدِيمِ النُّون وَبِالْقَصْرِ فَيُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ خَاصَّة، وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ الثَّنَاء الْمَمْدُود هُنَا فِي الشَّرّ مَجَازًا لِتَجَانُسِ الْكَلَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} وَ{مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}. قَوْله: «فِدًى لَك» مَقْصُور بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْرهَا. .باب مَا جَاءَ فِي: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»: وَأَمَّا اِسْتِرَاحَة الْعِبَاد مِنْ الْفَاجِر مَعْنَاهُ: اِنْدِفَاع أَذَاهُ عَنْهُمْ، وَأَذَاهُ يَكُون مِنْ وُجُوه مِنْهَا: ظُلْمه لَهُمْ، وَمِنْهَا اِرْتِكَابه لِلْمُنْكَرَاتِ فَإِنْ أَنْكَرُوهَا قَاسُوا مَشَقَّة مِنْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا نَالَهُمْ ضَرَره، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ أَثِمُوا. وَاسْتِرَاحَة الدَّوَابّ مِنْهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهَا وَيَضُرّ بِهَا وَيُحَمِّلهَا مَا لَا تُطِيقهُ، وَيُجِيعهَا فِي بَعْض الْأَوْقَات وَغَيْر ذَلِكَ. وَاسْتِرَاحَة الْبِلَاد وَالشَّجَر، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُمْنَع الْقَطْر بِمُصِيبَتِهِ، قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ. وَقَالَ الْبَاجِيّ: لِأَنَّهُ يَغْصِبهَا وَيَمْنَعهَا حَقّهَا مِنْ الشُّرْب وَغَيْره. .باب فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ: وَقِيلَ: ثَلَاثَة، وَقِيلَ: أَرْبَعَة. وَفيه: أَنَّ تَكْبِيرَات الْجِنَازَة أَرْبَع، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور. وَفيه دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت الْغَائِب، وَفيه مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِعْلَامِهِ بِمَوْتِ النَّجَاشِيّ وَهُوَ فِي الْحَبَشَة فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فيه. وَفيه: اِسْتِحْبَاب الْإِعْلَام بِالْمَيِّتِ لَا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة، بَلْ مُجَرَّد إِعْلَام الصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا، وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا، وَقَدْ يَحْتَجّ أَبُو حَنِيفَة فِي أَنَّ صَلَاة الْجِنَازَة لَا تُفْعَل فِي الْمَسْجِد بِقَوْلِهِ: «خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى»، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور جَوَازهَا فيه، وَيُحْتَجّ بِحَدِيثِ سَهْل بْن بَيْضَاء، وَيُتَأَوَّل هَذَا عَلَى أَنَّ الْخُرُوج إِلَى الْمُصَلَّى أَبْلَغ فِي إِظْهَار أَمْره الْمُشْتَمِل عَلَى هَذِهِ الْمُعْجِزَة، وَفيه أَيْضًا إِكْثَار الْمُصَلِّينَ، وَلَيْسَ فيه دَلَالَة أَصْلًا لِأَنَّ الْمُمْتَنِع عِنْدهمْ إِدْخَال الْمَيِّت الْمَسْجِد لَا مُجَرَّد الصَّلَاة. قَوْله فِي حَدِيث النَّجَاشِيّ: «وَكَبَّرَ أَرْبَع تَكْبِيرَات» وَكَذَا فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس: «كَبَّرَ أَرْبَعًا»، وَفِي حَدِيث زَيْد بْن أَرْقَم بَعْد هَذَا: «خَمْسًا»، قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ الْآثَار فِي ذَلِكَ فَجَاءَ مِنْ رِوَايَة اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّر أَرْبَعًا وَخَمْسًا وَسِتًّا وَسَبْعًا وَثَمَانِيًا حَتَّى مَاتَ النَّجَاشِيّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَة فِي ذَلِكَ مِنْ ثَلَاث تَكْبِيرَات إِلَى تِسْع، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّر عَلَى أَهْل بَدْر سِتًّا، وَعَلَى سَائِر الصَّحَابَة خَمْسًا، وَعَلَى غَيْرهمْ أَرْبَعًا، وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاع بَعْد ذَلِكَ عَلَى أَرْبَع، وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاء وَأَهْل الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ عَلَى أَرْبَع، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح، وَمَا سِوَى ذَلِكَ عِنْدهمْ شُذُوذ لَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ، قَالَ: وَلَا نَعْلَم أَحَدًا مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار يُخَمِّس إِلَّا اِبْن أَبِي لَيْلَى، وَلَمْ يَذْكُر فِي رِوَايَات مُسْلِم السَّلَام، وَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنه، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ جُمْهُورهمْ: يُسَلِّم تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف: تَسْلِيمَتَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجْهَر الْإِمَام بِالتَّسْلِيمِ أَمْ يُسِرّ؟ وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ يَقُولَانِ: يَجْهَر. وَعَنْ مَالِك رِوَايَتَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْع الْأَيْدِي فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَات، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ الرَّفْع فِي جَمِيعهَا، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَعَطَاء وَسَالِم بْن عَبْد اللَّه وَقَيْس بْن أَبِي حَازِم وَالزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر، وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَاب الرَّأْي: لَا يَرْفَع إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الْأُولَى. وَعَنْ مَالِك ثَلَاث رِوَايَات: الرَّفْع فِي الْجَمِيع. وَفِي الْأُولَى فَقَطْ. وَعَدَمه فِي كُلّهَا. 1582- قَوْله: (عَنْ سَلِيم بْن حَيَّان) هُوَ بِفَتْحِ السِّين وَكَسْر اللَّام، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَلِيم- بِفَتْحِ السِّين- غَيْره، وَمَنْ عَدَاهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْح اللَّام. قَوْله: «صَلَّى عَلَى أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الصَّاد وَفَتْح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم هُوَ الصَّوَاب الْمَعْرُوف فيه، وَهَكَذَا هُوَ فِي كُتُب الْحَدِيث وَالْمَغَازِي وَغَيْرهَا، وَوَقَعَ فِي مُسْنَد بْن أَبِي شَيْبَة فِي هَذَا الْحَدِيث تَسْمِيَته: صَحْمَة، بِفَتْحِ الصَّاد وَإِسْكَان الْحَاء، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ لَنَا يَزِيد، وَإِنَّمَا هُوَ صَمْحَة يَعْنِي بِتَقْدِيمِ الْمِيم عَلَى الْحَاء، وَهَذَانِ شَاذَّانِ، وَالصَّوَاب أَصْحَمَة بِالْأَلِفِ. قَالَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره: وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: عَطِيَّة. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالنَّجَاشِيّ لَقَب لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَة. وَأَمَّا أَصْحَمَة فَهُوَ اِسْم عَلَم لِهَذَا الْمَلِك الصَّالِح الَّذِي كَانَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْمُطَرِّز وَابْن خَالَوَيْهِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَئِمَّة كَلَامًا مُتَدَاخِلًا حَاصِله أَنَّ كُلّ مَنْ مَلَكَ الْمُسْلِمِينَ يُقَال لَهُ: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَة: النَّجَاشِيّ، وَمَنْ مَلَكَ الرُّوم: قَيْصَر، وَمَنْ مَلَكَ الْفَرَس: كَسْرَى، وَمَنْ مَلَكَ التُّرْك خاقَان، وَمَنْ مَلَكَ الْقِبْط: فِرْعَوْن، وَمَنْ مَلَكَ مِصْر: الْعَزِيز، وَمَنْ مَلَكَ الْيَمَن: تُبَّع، وَمَنْ مَلَكَ حِمْيَر: الْقَيْل. بِفَتْحِ الْقَاف، وَقِيلَ: الْقَيْل أَقَلّ دَرَجَة مِنْ المَلِك. 1584- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ». فيه: وُجُوب الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت، وَهِيَ فَرْض كِفَايَة بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ. .باب الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ: قَوْله: (مَنْ شَهِدَهُ اِبْن عَبَّاس) وَابْن عَبَّاس بَدَل وَقَوْله: «تَقُمّ المَسْجِد» أَيْ تَكْنُسهُ، وَفِي حَدِيث لِسَوْدَاء هَذِهِ الَّتِي صَلَّى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرهَا، وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس السَّابِق، وَحَدِيث أَنَس دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْره، سَوَاء كَانَ صَلَّى عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَتَأَوَّلَهُ أَصْحَاب مَالِك حَيْثُ مَنَعُوا الصَّلَاة عَلَى الْقَبْر بِتَأْوِيلَاتٍ بَاطِلَة لَا فَائِدَة فِي ذِكْرهَا لِظُهُورِ فَسَادهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفيه بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوَاضُع وَالرِّفْق بِأُمَّتِهِ. وَتَفَقُّد أَحْوَالهمْ، وَالْقِيَام بِحُقُوقِهِمْ، وَالِاهْتِمَام بِمَصَالِحِهِمْ فِي آخِرَتهمْ وَدُنْيَاهُمْ. 1588- قَوْله: «تَقُمّ الْمَسْجِد» أَيْ تَكْنُسهُ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» أَيْ أَعْلَمْتُمُونِي، وَفيه دَلَالَة لِاسْتِحْبَابِ الْإِعْلَام بِالْمَيِّتِ، وَسَبَقَ بَيَانه. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مَمْلُوءَة ظُلْمَة عَلَى أَهْلهَا وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ». 1589- قَوْله: (كَانَ زَيْد يُكَبِّر عَلَى جَنَائِزنَا أَرْبَعًا، وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَة خَمْسًا؛ فَسَأَلْته فَقَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرهَا) زَيْد هَذَا هُوَ: زَيْد بْن أَرْقَم، وَجَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ، وَهَذَا الْحَدِيث عِنْد الْعُلَمَاء مَنْسُوخ، دَلَّ الْإِجْمَاع عَلَى نَسْخه، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره نَقَلُوا الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّر الْيَوْم إِلَّا أَرْبَعًا، وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا بَعْد زَيْد بْن أَرْقَم، وَالْأَصَحّ أَنَّ الْإِجْمَاع بَعْد الْخِلَاف يَصِحّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ: قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة؛ فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ: الْقِيَام مَنْسُوخ. وَقَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن حَبِيب وَابْن الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيَّانِ: هُوَ مُخَيَّر، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَام مَنْ يُشَيِّعهَا عِنْد الْقَبْر. فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالسَّلَف: لَا يَقْعُد حَتَّى تُوضَع، قَالُوا: وَالنَّسْخ إِنَّمَا هُوَ فِي قِيَام مَنْ مَرَّتْ بِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَام عَلَى الْقَبْر حَتَّى تُدْفَن، فَكَرِهَهُ قَوْم وَعَمِلَ بِهِ آخَرُونَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَان وَعَلِيّ وَابْن عُمَر وَغَيْرهمْ رَضِيَ الله عَنْهُمْ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي. وَالْمَشْهُور فِي مَذْهَبنَا أَنَّ الْقِيَام لَيْسَ مُسْتَحَبًّا، وَقَالُوا: هُوَ مَنْسُوخ بِحَدِيثِ عَلِيّ، وَاخْتَارَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ مُسْتَحَبّ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فَيَكُون الْأَمْر بِهِ لِلنَّدْبِ وَالْقُعُود بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَلَا يَصِحّ دَعْوَى النَّسْخ فِي مِثْل هَذَا؛ لِأَنَّ النَّسْخ إِنَّمَا يَكُون إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث، وَلَمْ يَتَعَذَّر. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى تُخَلِّفكُمْ» بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر اللَّام الْمُشَدَّدَة، أَيْ تَصِيرُونَ وَرَاءَهَا غَائِبِينَ عَنْهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَقُمْ حِين يَرَاهَا» ظَاهِره أَنَّهُ يَقُوم بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَة قَبْل أَنْ تَصِل إِلَيْهِ. قَوْله: «إِنَّهَا مِنْ أَهْل الْأَرْض» مَعْنَاهُ: جِنَازَة كَافِر مِنْ أَهْل تِلْكَ الْأَرْض. 1590- سبق شرحه بالباب. 1591- سبق شرحه بالباب. 1592- سبق شرحه بالباب. 1593- سبق شرحه بالباب. 1594- سبق شرحه بالباب. 1595- سبق شرحه بالباب. 1596- سبق شرحه بالباب. .باب الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلاَةِ: وَقَدْ اِتَّفَقَ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَلَّى عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ فَفيه وَجْهَانِ: الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: يُسِرّ، وَالثَّانِي: يَجْهَر، وَأَمَّا الدُّعَاء فَيُسِرّ بِهِ بِلَا خِلَاف، وَحِينَئِذٍ يُتَأَوَّل هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ قَوْله: «حَفِظْت مِنْ دُعَائِهِ» أَيْ عَلَّمَنِيهِ بَعْد الصَّلَاة فَحَفِظْته. قَوْله: (وَحَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر) الْقَائِل: وَحَدَّثَنِي هُوَ: مُعَاوِيَة بْن صَالِح الرَّاوِي فِي الْإِسْنَاد الْأَوَّل عَنْ حَبِيب. .باب أَيْنَ يَقُومُ الإِمَامُ مِنَ الْمَيِّتِ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ:
|